الأحد، ٢٣ أغسطس ٢٠٠٩

رحلة الى مطعم الفقــراء






تعال معي
الى أين ؟
سأدعوك اليوم على العشاء بالخارج.. فرصة نختبر تقبل الكبار لوجودك بينهم
فكرة رائعة .. فقد سئمت المكوث بالمنزل، وأين سنذهب؟
هناك مـ .. مطعم قريب من هنا .. اسمه مطعم اليس كذلك ؟

نظرت اليها باسماً وقلت:
نعم ، تتعلمين الكلمات بسرعة الان
اشاحت بوجهها عني هامسة :
ليتك تتعلم انت ايضا بذات السرعة اسلوب الحياة هنا !

سرنا معأ قليلاً ثم سالتها :
لماذا تطلقون على هذه البلاد "ارض المستنقعات " ؟
لانها مليئة بالمستنقعات بالفعل ! .. الا ترى تلك البرك الصغيرة في كل مكان ؟
ظننت ان وراء الاسم شيئاً اخر !
كلا .. انه مجرد وصف، فنحن نجاهد كثيراً اثناء السير كي لا نغوص في تلك الاوحال
نعم .. نعم .. اقدر الامر، خاصة وأنتم مصابون بمرض النظافة !

صاحت في دهشة :
أهو مرض ؟!

اومأت براسي مؤكداً :
بلى .. ولكن لا اظنه مرضاً خطيراً حسبما سمعت من اصدقائي في السيرك

نظرت الى متشككة وقالت :
على اية حال انا لا اثق كثيراً بأقوال هؤلاء المجا .. اعنى الكبار !
.. ها قد وصلنا مبتغانا


نظرت متحيراً حولي قائلاً:
هنا؟ .. ولكن أ.. أين المطعم ؟!
ها هو امامك ! .. الا ترى ؟!
انا لا ارى امامى سوى صفائح كبيرة ذات عجلات خرجت من داخلها القمامة بالخطأ
حسنا، ما وصفته الان بهذه الكلمات التي لا افهم نصفها هو ما قصدته انا بالمطعم

نظرت لها وقد احيلت دهشتي الى السخرية وانا اقول :
يبدو انني اخطأت في تقدير تعلمك للكلمات بشكل صحيح .. هذه اسمها قمامة وليست مطعماً !
نظرت الىّ في حيرة قائلة :
وما الفارق ؟ .. لقد قلت لى من قبل ان المطعم هو مكان الطعام، وها نحن في مكان الطعام الذي أاتي اليك به كل يوم، فـ ..
قاطعتها مزمجراً :
تطعميني من القمامة كل يوم ؟ .. انها قمامة ! .. بقايا طعام البشر !
وماذا يضيرنا ان ناكل من بقايا ال .. الكبار ؟
ماذا يضيرنا ! .. انتِ من تقولينها ! .. وانا الذي ظننتك مريضة بالنظافة !


صاحت في ضيق :
اعلم ان المكان غير نظيف، ورائحتة كريهة .. ولكنه المطعم الوحيد في المنطقة
لا تكرريها ثانية ! .. قلت لكِ اسمها قمامة
وليكن ! ، هذه ال .. قمامة هي المتاح لدينا الان ولا نملك غيرها ! .. من أين أاتي لك بمطعم نظيف ؟

هتفت مستنكراً :
انا لا اتحدث عن النظافة فحسب، انا لا اقبل ايضاً ان آكل من بقايا انسان
انسان ؟
كررت في نفاذ صبر :
انا لن آكل من بقايا الكبار ! .. انا لا آكل من بقايا أحد !
عقبت في سخرية :
بالطبع ! .. فأنت الأسد !
اومأت برأسي بأنفة مؤكداً :
نعم .. انا الأسد .. وتلك طباعي .. لقد غيرتِ مظهري .. لا كينونتي !

قاطعتني في حدة :

حسناً حسناً.. ماذا تريد الان ؟
اريد طعاماً طازجاً ونظيفاً
..هذا اصعب ما يمكن العثور عليه فى أرض المستنقعات !



ابديت ضيقي .. ثم صحت :


ولماذا لا نذهب الى اراضي اخرى ؟
قلت لك انا لا اترك وطني ابدا لأذهب الى مكان غريب.. نعم، ربما يكون هناك طعام افضل ومعاملة ارقى، وربما تكون الارض هناك اكثر نظافة ولكن هذا قدرنا وعلينا ان نحتمله .. هذه بلادنا وهذا حالها .. ولابد ان نقبلها كما هي

هتفت متعجباً :
ارض المستنقعات ؟!
لن تبقى هكذا الى الأبد .. ربما يهطل المطر وينظف المستنقعات، وتصير انهارا عذبة .. ربما تخرج الشمس عليها فتجف وتصبح حفنة تراب تذروها الرياح .. وتترك الأرض طاهرة .. ربما ينصلح حال الكبار يوما ويتركون لنا مطاعما افضل وحياة أهنأ .. وحتى هذا الحين لا نملك سوى ماهو متاح لنا

وقفت متأملا إياها لبرهة ثم قلت :
تلك مشكلتكم ! .. تنتظرون ان يتغير كل شيء من تلقاء نفسه دون ان تفعلوا شيء .. تحبون النظافة ولكنكم لا تلعقون سوى اجسادكم فقط! .. تركتم نظافة ما حولكم ، حتى وطنكم الذي تحبونه .. اكتفيتم بطهارة أنفسكم، واحتميتم بالسير بين الأوحال .. وعقدتم الامال على غيركم ان يغير حال اوطانكم ! .. ولكن الشمس ايضا قد تجفف البرك العذبة، والريح قد تحمل التراب معها، ويهبط المطر فتزيد الاوحال أكثر .. ولن تتغير أرض المستنقعات ولن تنظف الا بعمل وجهد من يحبها !

حملقت في وجهي طويلاً .. ثم اشاحت بوجهها واتجهت ببطء نحو الصفائح تجلب لنا الطعام ..






الأحد، ١٥ يوليو ٢٠٠٧

زمـــــن الكــــــــــلاب




**********************
سألتها : ماذا اسميكي ؟

:نظرت إليّ بألفة وقالت
! " أتعرف, احد الكبار كان يلهو معي وأنا صغيرة وكان صغيرا أيضا .. كان يدعوني : " بسبس

ولماذا تركتيه ؟
لم يكن يطعمني .. فقط كان يلهو معي وكنت أسايره عله يفرح مني فيعطيني طعاما, ولكن يبدو انه لم يكن يملك طعاما .. فتركته
! أو يملك ويبخل عليكِ
..ربما

طالما هو من " الكبار" , كما تسمينهم , فبالتأكيد يملك طعاما لنفسه,ولن
!ينقص الكثير ان منحك فقط ما يشبعك
:شردت لبرهة .. وبدت وكأنها تفكر في كلماتي .. ثم نظرت إليّ بحزن وأردفت
! معك حق

:ثم خفضت رأسها بمرارة وتابعت
هكذا هم الكبار طوال الوقت ! .. أنانيون, طامعون, مغترون بذاتهم .. لا
! يلتفتون الينا، ولا يهتمون بنا

: ثم نظرت الىّ وصاحت
اتدرى انهم يدهسونا كثيرا اثناء سيرهم ؟

:نظرت اليها بدهشة فهزت رأسها تأكيدا وتابعت
نعم .. يدهسونا ثم لا يعبئون بما صنعوا .. بل وربما نسمع ضحكاتهم علينا حين يسمعوننا نموء ألما .. والأكثر من ذلك .. فقد قتلوا منا الكثير دهساً
!بعلبهم الصلبة المتحركة
أتقصدين " سياراتهم " ؟ .. يا الهي ! .. ولماذا لا تعترضون ؟ .. أو حتى تنتقمون ؟

:نظرت إلىّ بإبتسام ثم أجابت
!نحن لا نملك أن ننتقم .. فقط نحاول ألا نقف في طريقهم .. أو طريق علبهم

في مدينتي القديمة, اقصد الأرض التي أتيت منها، لم أر تلك الفروق بين البشر
والقطط ! .. إنهم متحابون ومتعايشون معاً .. ولا تحدث مثل هذه الحوادث إلا
نادراً ! .. إطلاقاً ! .. إنهم أحيانا يأكلون وينامون سوياً .. بل ويعد لهم الكبار
!مأكلهم ومشربهم ومنامهم بأنفسهم

.. معقول ؟ .. حسناً .. هنا الأمر مختلف ! .. هنا الفرق كبير بيننا وبين الكبار
!وكل منا ينبغي أن يعرف حجمه جيداً لكي يستطيع أن يعيش
!!.. وأي حياة

الا تعجبك حياة القطط ؟
!ليس الأمر كذلك، ولكنني اكره الضعف فحسب

لسنا جميعاً أسوداً مثلك ! .. أم انك تريد أن يصير الجميع كباراً ؟
.. كلا بالطبع ! .. أنا مؤمن بان الحياة ينبغي أن تضم الجميع، كبارا وقططاً
ولكنها مسألة ادوار
ادوار ؟

نعم, فليس دور الكبير أن يدهس الصغير ويأكل قوته، وليست وظيفة الصغير
في الحياة أن يضع كل همه كيف يفلت من أذى الكبير و"يختلس" لنفسه اقل ما
! يبقى على حياته من القوت

:شردت قليلاً ثم قالت
اتعرف .. الكلاب هنا افضل حظاً منا .. فهم لا يتعرضون للاذى مثلنا .. اقل
بكثير.. بل ان كثيراً منهم ان لم يكن كلهم .. لديهم العديد من الصداقات مع
الكبار، يطعموهم ويلهون معهم .. بل ويسيرون جنباً الى جنب معاً وبينهما قيد
! أو سلسلة كيلا يضلا عن بعضهما

:أومأت براسي مؤكداً
نعم .. أعرف ذلك ورأيت مثله في بلاد اخرى واكثر ! .. ان
!البشر هناك يبنون لهم بيوتاً خاصة لهم بجانب بيوتهم

:نظرت الىّ في غيظ وصاحت
حقاً ؟

.. نعم .. ويأخذونهم معهم الى الشواطيء يلهون ويمرحون و
..حسناً .. حسناً .. دعنا من سيرة الكلاب .. فانا لا احبهم .. دعنا نأكل قليلاً
لقد اتيت لتوى ببعض الطعام

: نظرت اليها طويلاً ثم صحت
الى متى ساظل هكذا ؟
!وماذا تعني بهكذا ؟

الى متى ساظل أنتظر الطعام منك كرضيع صغير ضعيف ينتظر امه لتأتى له
!بالطعام
:تبسمت الىّ وقالت
بعيداً عن اختلاف الحجم بيننا – لصالحك بالطبع ! – ولكني اكبرك كثيراً
بالفعل .. لا تقلق .. يمكنك ان تدعونى كأمك

:صحت غاضباً
انا لا امزح ! .. انا لا أقبل تلك الحياة ! .. انا الأسد الذي تأكل الحيوانات من
!! بقاياه ..اعيش عالة على قطة
:تمتمت بصوت مسموع
!أسد, أسد .. ألن ينسى ابداً
نعـــم ؟؟ .. انسى ؟
:صاحت في ضيق
حسناً .. حسناً.. ماذا تريد الان تحديداً !؟
أريد ان اعمل ! .. ان اكل من عملي .. الم تغيري من ملامحي لأحيا بشكل طبيعي ؟
نعم .. بقدر ما استطعت ! .. تبدو الان قطة غريبة الشكل وليس اسداً ابيض
!اللون

!ما علينا .. المهم اننى استطيع ان اعمل مثل اى قطة عادية
و .. ومن قال لك ان القطط تعمل ؟
!!ماذا ؟

!نعم .. من قال لك هذا ! .. ان فرص العمل لدينا محدودة للغاية
!!محدودة للغاية !! .. ولماذا احلتيني لقطة اذاً

: صاحت فى غضب
وماذا كنت ترغب ان تكون اذاً ؟؟ .. فيل ؟؟
!اى شيء ! .. المهم ان يكون مطلوباً للعمل فى هذا البلد

والله انا لست ساحرة لأعرض عليك قائمة حيوانات تختار منها ما تشاء !..انا
ساعدتك لكى يصبح شكلك اقرب الى حيوان مقبول تواجده هنا !.. واسهل
.. حيوان تحال اليه هو القطة ! .. واكثر الحيوانات عملاً هنا هو الحمار !
اكنت تريد ان تصير حماراً ؟

بغض النظر عن صعوبة تحقيق ذلك , ولكن .. ما عيبه ؟
عيبه انه حمار ! .. لا يعرف من الدنيا سوى العمل والاكل ! .. مهما تعرض
لإهانة وضرب وقلة إطعام لا يعترض ولا يغضب .. ويظل يعمل ويعمل .. وانت
! وبطبعك المتمرد هذا, اكيد لن تقبل مثل هذه الحياة

!بالطبع لن اقبل ! .. ولكن كيف يكون مثله أكثر العمال هنا ؟
للاسباب التى قلتها لك ! .. لا يعترض .. لا يثور .. لا يفكر سوى فى عمله
وطعامه .. اين يجد الكبار افضل منه ! .. ولهذا البلد ملأى منه .. وعمله
متوفر دائماً
وهل يعمل غيره هنا ؟
.. نعم .. ولكن ليسوا بكثير
لايهم, مثل من ؟
.. الكلاب مثلاً
!!الكلاب ! .. لقد خدعتيني اذاً
صاحت بدهشة : خدعتك ؟

!نعم ! .. كان من الممكن ان تحيليني كلباً ولكنك لم تفعلي بالطبع لأنك تكرهيهم
وهل ترى شبهاً بينك وبين الكلاب ؟ .. كان هذا الامر صعباً جداً

بالعكس ! .. هناك صنف من الكلاب ابيض اللون مثلى وطويل الشعر بحيث
!يغطى وجهه .. كان من الممكن ان اصير شبيهاً له
وليكن .. ما الفارق اذا ؟
" !الفارق كبير وتعرفيه جيداً ! .. "الكلاب هنا افضل حظاً منا

: ظلت تحدق فى وجهى لدقائق .. ثم اشاحت بوجهها قائلة
!حسناً .. اعترف بذلك .. ولكني ايضاً لم أخدعك
!!كيف

.. اسمع يا هذا
!اسمي ليون
حسناً .. اسمع يا ليون .. نعم .. الكلاب فى كل بلد وهنا بالذات لديها حظوظ
وافرة .. ولكني لا ارى ان هذا مناسباً لك .. أنت افضل منهم بكثير ! .. ولا
تستحق ان يؤول بك الحال ان تصير حارساً لأحد الكبار .. وتصبح تلك مهنتك
وما المشكلة ! ..عمل شريف .. ويناسب طبيعتي القوية

:صاحت غاضبة
افهم ! .. المشكلة ليست فى العمل ذاته ! .. المشكلة ان عمل الكلاب الجقيقي
!حراسة الكبار ولكن التذلل لهم !.. والمشكلة الاكبر انك تعمل لدى الكبار
ولماذا تسمينه إذلالاً ! .. لم لا تسمينه وفاءاً وصداقة ؟ .. الأنكم يا معشر القطط لا تعرفون معنى الوفاء ؟

:انفجرت في وجهي صائحة
لا بالطبع نعرفه جيداً ! .. ولكن ليس هذا النوع بالطبع ! .. وفاؤنا للأرض التى
ولدنا عليها ! .. وفاؤنا للوطن وصداقتنا لبلادنا .. ولكن الكلاب وفاؤهم لمن؟
وفاؤهم لمن يطعمهم من الكبار ! .. وفاؤهم للعظام ومن يأتى لهم بها ! .. ومن
اجل هذا لا يتورعون عن اذلال انفسهم لاسعاد الكبار .. ويجوبون الأوطان
والبلاد .. مساقون خلف الكبار .. والكبار مثلهم يحبون من يعيش ذليلهم
.. ويرضي غرورهم ..ولهذا لا احب الإثنين : لا الكبار ولا الكلاب
فهما متشابهان تماماً

:نظرت اليها متشككاً فصاحت
انظر الى الشوارع والطرقات ! .. كم من مرة رايت كلباً يعقر رجلاً مسالما يسير
!فى الطريق ؟ .. أين هذا الوفاء اذا ً !.. ام أنه يعاقبه لأنه لا يملك طعاماً له
:صمت قليلاً ولم اعقب, فقالت
حسناً .. ان كنت لا تصدقنى فلا باس .. الامر مازال بيدينا .. يمكنك ان تنتظر
..نمو شعرك ثانية وسأحاول أن

:قاطعتها قائلاً
أتحيليني الى صورة عدو لكي ؟
هذا افضل عندي من تهمة الخيانة والخداع ! .. قد اقوم بخداع بعض الكبار
املاً في بعض الطعام او حتى اتقاءاً لشرهم .. ولكني لا اخدع ولا اخون
! من عاهدته ابداً

:نظرت اليها باسماً وقلت
حسناً .. ولا انا اصدق انك تخدعيني .. انسيتي اننا ابناء عموم ؟
هتفت في فرح : حقاً ؟ .. لست غاضباً مني ؟
!بالطبع
: قالت في أسف
ولكني اشعر اني اضعت عليك فرصة كبيرة .. فأنت تحب العمل

بالفعل احب العمل .. ولكني لا اقبل هذا النوع .. لقد كنت فى السيرك اعمل مع
اصدقائي البشر وارى بأعينهم الحذر مني وتقدير قوتي .. كيف أعيش بعد ذلك ذليلاً لهم ؟

:نظرت الىّ قائلة
ألن تندم بعدها ؟

:صحت بثقة
..لا .. لن اندم ! .. لن أرض بالذل أن كنت اريد أن ابقى اسداً في اعماقي
..أشرف لي أن احيا متخفياً في قطة .. عن أن أصير كلباً لأحد الكبار
..حتى وان كانت الحظوظ لهم
!حتى وان كنا نعيش زمن الكلاب




**********************


الأربعاء، ١١ يوليو ٢٠٠٧

عـــش قطــــة !




**********************


! اراك مهموماً اليوم
: نظرت اليها بغيظ قائلاً

وكيف ينبغي لي أن أبدو وأنا مرشح للقتل أو السجن من دون ذنب؟
لا لا .. لا تقلق فأنا سأساعدك كي لا يحدث ذلك

انتِ ؟ .. وهل تملكين مساعدتي ؟

لا يغرنك كوني قطة صغيرة .. فأنا مكثت طويلاً بين هؤلاء الكبار واعرف الكثير من مقاليد الأمور هنا

وما هي خطتك ؟

قبل الخطة دعنا نتفق اولاً .. سأساعدك على العيش هنا، فى مقابل صداقتك فقط .. انا لا ارغب شيئاً منك الا وعداً بعدم
الغدر !

غدر ؟ .. ليس هذا من شيمنا ابداً.. لا تقلقى
اعرف .. ولكنني أردت ان اسمع الكلمة منك ليزداد إطمئناني
وها قد سمعتيها .. ما خطتك إذن؟
حسناً .. انت الان لا يمكنك ان تحيا بهذا الشكل هنا, كونك اسداً, ومن سلالة خاصة, يجعلك عرضة لجذب الانتباه ومن
ثم الخطر..

سمعت هذه الأنباء السعيدة من قبل, ما الجديد ؟


..إذن ينبغى لك ان ... ان تتخفى قليلاً

نعم؟ .. أتخفى ؟؟.. وكيف تريدينى ان اتخفى ؟ اختبيء كالفئران والحشرات ؟
لم اقصد ذلك ابدا

وماذا تقصدين اذا ؟
أقصد ان تغير من شكلك قليلاً .. يمكننى ان اساعدك ليصبح شكلك اقرب الى حيوان آخر من المقبول تواجدهم هنا
كلا .. انا الذي لن يقبل ! .. انا الأسد .. ملك الغابة !.. اتخلى عن هويتي واصير حيوانا عادياً ؟
!!ياللعار

هذا الكلام فى الغابة ! .. انت الان في ارض المستنقعات ولست فى الغابة .. ولا يوجد هنا ملوك من الأسود !.. ولن يسمح حتى لأسد أن يحيا ليبحث بعدها عن زعامته !

وليكن قد أتخلى عن الزعامة .. ولكن لا أتخلى عن كينونتي

اسمع! .. ليست الأسود فقط هم كل من يحبس .. قد تجد قروداً وزواحف وغيرهم محبوسون .. وحتى الطيور الصغيرة الضعيفة بعضها يحبس ! .. ولكن كل هؤلاء يمكن ان تجد بعضهم حراً ولو كان يعيش بعيداً .. الا الأسود !.. ليس لديهم نصيب من الحرية على تلك الأرض !.. اما القتل او الحبس!

ولكن .. كبريائي ! .. شرفي ! .. اتنازل عن كل هذا ببساطة ؟ .. لالا .. لن استطيع
! أليس هذا افضل من التنازل عن حياتك ؟
! اشرف لى ان اموت او حتى اعود للسيرك
يا للذكاء ! .. تفقد حياتك او حريتك وسمعتك دون سبب ام تحتفظ بهم وبقوتك وتلجأ لقوة العقل ايضاً ؟
على الاقل ستظل اسداً بالنسبة الى نفسك, وهذا المكر لن ينتقص من قدرك شيئاً
.......... لكن

يبدو انك ستتعبني .. لا عليك .. اهتم انت بأمورك ولنفترق فى سلام
انتظرى ! .. قدري صعوبة الامر علىّ ! .. اما من فكرة اخرى ؟
..... اذا اردت ان تعيش فهذه هى الطريقة الوحيدة التى اعرفها ! .. ان كنت تعرف غيرها فاتبعها

زمجرت فى ضيق .. ثم صحت
حسناً .. حسناً! .. الام ستحيليني ؟

نظرت لى في سرور ثم قالت
كما تريد .. ولكن أظن ان ملامحك اقرب الى القطط من غيرها .. كما سيكون تمثيلك دور القطط اسهل عليك .. انسيت اننا ابناء عموم ؟

حسناً .. كما ترين
رائع .. ولكن تحتاج الى اجراء بعض التعديلات على هيئتك قليلاً! ... دعنى ارى ..
:واخذت تحوم حولى متاملة جسدي الأبيض السمين ثم تابعت
! لا لا .. بل كثيراً جداً
!افعلى ما ترينه مناسباً .. فليس لدينا حل اخر

:نظرت الىّ مؤكدة
نعم, ما من حل اخر
:تمتمت فى اسى
!!انا .. قطة ؟

: فهمست فى اذني باسمة
عش قطة .. تمت اسداً !
وتركتها تعبث بجسدى وشعري الطويل, تقضم وتقرض وتقص .. وانا محتمل الالام مستسلماً لها, مرددا بين الحين
..والحين

!!انا قطة ؟





**********************

السبت، ٧ يوليو ٢٠٠٧

أســــد مــــن الأحـــــرار








**********************




بابا، هو ده السلعوة ؟ -

هكذا صاح الطفل الصغير بذعر ممسكاً بثياب أبيه, ولكن قبل أن ادع للأب الفرصة لكي يشرح لأبنه الفارق الجوهري بين الأسد والسلعوة أطلقت لأقدامي العنان وسط زحام البشر.. ودلفت إلى طريق آخر به مجموعة من الصبية ..

بص ياله الكلب اللولو الجامد ده ؟ -
كلب إيه يا عبيط, دي قطة شيرازي -
..بس دى شكلها غريب أوي -

ايوة ده نوع نادر منه بس أنا ناسي اسمه .. دي ثمنها ييجي 500 جنيه -
.. ما تيجي ناخدها ونبيعها وبعدين نـ -

لم أشأ أن أتابع تفاصيل الصفقة, فقد واصلت العدو من جديد .. حتى وصلت إلى مكان آخر ووجدت شاباً وفتاة يتحدثان بهدوء شديد .. فاقتربت منهما بحثاً عن الدفء وارتميت عند قدمي الشاب الهاديء

يا حبيبتي طب أنا اعمل إيه؟ .. الشقق كل شوية تغلى اكتر .. اللي معايا -
دلوقتى كان ممكن يجيب شقة حلوة من خمس سنين.. بس دلوقتى ميجيبش
شقة بطيخ .. وأمك مش موافقة على الإيجار الجديد .. يبقى مفيش غير إننا
نسيب بعض و ..

شهقت الفتاة وأطلقت صرخة عالية .. ظننت أولاً أن هذا ردها على حديث فتاها, ولكن سرعان ما تبينت من إشارة إصبعها إلى الأسفل أنها تقصدني أنا !
تباً .. يبدو أن علىّ الهروب مجدداً .. لكم سئمت من هذا العدو، لماذا لا يتركني هؤلاء البشر في حالي .. لم اعهد في حياتي القصيرة كل هذا الكم من المتطفلين المزعجين ..
هاهو طريق يبدو هادئاَ وخالياً تماماً من المارة .. أخيراً سأستطيع أن اخلد قليلاً إلى النوم بدون إزعاج
..................................

استيقظت على وميض ارجواني لامع أمام عيناي, فانتفضت سريعاً فوجدتهما عينا هرة صغيرة تحملق فيّ
! افزعتيني
-

هكذا صحت مقطباً

!
أفزعتك ؟ .. معذرة .. ظننتك أسدا من مظهرك الغريب
! بلى, انا كذلك -

نظرت إليّ بسخرية وهتفت :
وهل تفزع الأسود مثلنا ؟ -
ولم لا ؟ .. أولسنا لحماً ودماً كسائر الخلق ! .. ثم إن كل ما بهذه المدينة
-

! يثير الفزع

: تلفتت حولها وكأنها تبحث عن شيء ما ثم هتفت
مـ د يـ ... ماذا تعنى ؟ -
مدينة ! .. هذه البقعة الأرضية ! .. تلك البلد التي نحن فيها الآن -
فهمتك .. تقصد " ارض المستنقعات " .. لماذا .. الست من هنا ؟ -
لا لقد قدمت من سفر طويل ، أنا من بلاد الثلوج -
ثلوج !! .. تستخدم ألفاظاً عجيبة لا افهمها .. ولكنك تبدو لطيفا، لم لا تقص -
لي قصتك ؟
...حسناً -

تنهدت بعمق .. ثم بدأت اسرد قصتي

**********************





..أنا أسد من سلالة نادرة, و -
لتوي كنت سأسألك عن سر لونك الأبيض الغريب -


: تابعت بإيماءة برأسي

ولدت في بلد .. اقصد ارض تبعد كثيرا عن هنا، ووسط بشر يختلفون تماماً -
عن هؤلاء الذين لقيتهم هنا

بشر ؟ .. ماذا تقصد ؟ -
لا أدري ماذا تسمونهم ! .. هم حيوانات مثلنا ولكنها تسير على قدمين فقط -

.. انظري هناك .. مثل هذا .. وهذا

نعم .. نعم .. فهمتك .. تقصد الكبار, ولكن لماذا تستخدم مسميات -
مختلفة من أين أتيت بهذه الكلمات ؟

علمتني جدتي إياها، فقد كانت تعمل في سيرك يجوب العالم، وكان لها -
أصدقاء من هؤلاء البشر تعلمت منهم الكثير, فكانت تفهمهم جيداً وتفهم
طبائعهم وتحبهم
هممم .. عظيم جدا! ..ولكني سأفهم حديثك أكثر لو أفهمتني كيف يكون -

! السيرك

:نظرت إليها بغيظ، وأجبتها في ضجر

السيرك مكان واسع تقوم فيه العديد من الحيوانات ومعهم أصدقاؤهم من -
البشر - أقصد الكبار - بعمل أشياء صعبة لكي يشاهدنا بشر آخرين, حتى أن
! .. يرانا الجميع فنذهب إلى ارض جديدة ليشاهدنا آخرين .. وهكذا
..
آها !.. نحن نطلق عليه بيت المجانين -
:زمجرت صائحاً

مجانين ؟؟ -
عـ .. عفواً لا أقصدك أنت! .. ولكن هذا ما يشاع عنه! .. الآن فهمت منك انه -
ليس كذلك, أرجوك لا تغضب مني وأكمل قصتك
لاشيء, أتيت إلى هنا لأبحث عن والدي الذي فقدته منذ سنوات -
وكيف حدث ذلك؟ -
والديّ ولدا على هذه الأرض حين مر السيرك هنا, ومكثا حتى تزوجا ثم -
عندما تأهب السيرك للعودة إلى أرضنا الأخرى لم يأخذوا معهم أبي وعادوا
بدونه, وكانت أمي حاملاً فيّ وقتها وولدت وعشت في ارض تبعد كثيراً عن
هنا, ولم تتحمل أمي فراق أبي فماتت حزناً عليه وربتني جدتي التي تعلمت
.. منها الكثير كما قلت لكِ, وحكت لي كثيراً عن أبي وشجاعته وقوته ومهارته
فاشتقت لرؤيته كثيراً .. وانتهزت فرصة قدوم السيرك مجدداً إلى هنا وفررت
!للبحث عنه .. ولكن لا ادري لماذا لم يتركني الكبار في حالي

!!
حقاً ! .. لماذا -
! اشعر من لهجتك ببعض السخرية -
بالطبع !! .. نحن القطط نقضي ثلاث أرباع عمرنا هرباً من هؤلاء المزعجين -
!! وأنت الأسد, وبهذا المظهر الغريب وتريد أن تحيا هانئاً هنا

لقد شعرت فعلاً أنهم مندهشون من وجودي, أما لديكم اسود هنا ؟ -
!
أسود ؟ .. هنا في ارض المستنقعات ؟ .. بلى لدينا بالطبع -
إذن ما المشكلة ؟ -
!
المشكلة بسيطة, أغلب ما لدينا من أسود ملقى خلف أسوار السجون -
سجون ؟
-

نعم ! .. ليس مسموحاً لأسد أن يعيش بيننا ألا أن يكون محبوساً في قفص -
صغير, ويأتي ليشاهده الجميع وهو خلف القضبان

يا للفضائح !.. ولكن لماذا ؟ .. ما التهمة ؟ -
! كونك أسد فى هذه ال.. البلد هى تهمة فى حد ذاتها -

والعمل ؟ .. أما من حل آخر ؟ -
! ممكن ! .. أن تنضم لبيت المجانين .. اقصد السيرك -
أهربت منه لأعود إليه ثانياً ! .. أما من فرصة أخرى للعيش حراً؟ -
..
لا -
وكيف يحدث أن حاولت العيش حراً طليقاً ورفضت الأسر أو تهمة الجنون ؟ -
!
عادي .. سيقتلونك -
بهذه البساطة؟ -

! بهذه البساطة -
!
ولكني أقوى منهم بكثير -
!
بالفعل, ولكن لديهم طرقهم الخاصة التي لا يفلت منها أسد أبداً -

: صمت متأملاً وجهها للحظات, ثم خفضت وجهي متمتماً
!
أريد أن أحيا كالأحرار -

: هزت رأسها في إشفاق ثم كررت بحسم

الأسد في هذا البلد: إما مأسوراً أو مجنوناً أو
!مقتولاً







**********************